الأخبار
الخميس 17 تموز 2025
سرت أنباء عن عمليات تصفية ميدانية نفّذتها الفصائل في عددٍ من المناطق (أ ف ب)
تُظهر التسجيلات المصوّرة التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقوع مجازر وانتهاكات واسعة في مدينة السويداء، التي عاودت فصائل وزارتي الدفاع والداخلية، وبعض الفصائل العشائرية، اقتحامها ليلاً، بعد ساعات من استعادة الجماعات الدرزية المحلية السيطرة عليها، الأمر الذي حوّل شوارعها وساحاتها إلى ميدان قتال دموي.
وتزامن الهجوم الثاني، الذي استعانت خلاله الفصائل التابعة للإدارة الجديدة بقوى متخصّصة بالقتال الليلي، وسبقه قصف تمهيدي عنيف طاول مناطق سكنية، مع فرض حصار مطبق على المدينة وانقطاع تام للتيار الكهربائي عنها، وانقطاعات عديدة في الاتصالات فيها، وهو ما ساهم في التعتيم على مجريات الأحداث هناك لساعات عديدة. لكن سرعان ما بدأت تتكشّف صورة دموية، على وقع الشحن الطائفي الكبير الذي أظهره مقاتلو الفصائل التابعة للإدارة، وإصرار الجماعات المحلية على القتال.
وشهد المشفى الوطني، الذي كان مكتظاً بالمرضى، إحدى المعارك العنيفة، كما تعرّض للقصف بالدبابات، في وقت برّرت فيه وزارة الداخلية قصفه بوجود قناصة ومسلحين «خارجين عن القانون» داخله. وبعد معارك امتدت بضع ساعات، تمكّنت الفصائل الحكومية من السيطرة على المشفى، قبل أن يتم تداول تسجيل مصوّر يظهر وجود عشرات الجثث المكوّمة في أروقته، والتي ذكرت مصادر أهلية تحدّثت إلى «الأخبار»، أنها تتبع لمقاتلين سقطوا خلال المعارك، وأنه تمّ وضعها في أروقة المستشفى بسبب امتلاء المشرحة.
بموازاة ذلك، تناقل ناشطون وحسابات من السويداء على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات النداءات للبحث عن مفقودين، وسط أنباء عن عمليات تصفية ميدانية نفّذتها الفصائل المهاجمة في عدد من المناطق، بالإضافة إلى عمليات السرقة التي تمّ توثيق بعضها أثناء نقل المسروقات إلى درعا، وما تبعها من وقائع تدمير وإحراق متعمّد لممتلكات المواطنين.
وعلى وقع التصعيد الإسرائيلي بحجة حماية الدروز، أعلنت وزارة الداخلية التوصّل إلى اتفاق يقضي بخروج الفصائل التابعة لوزارة الدفاع، ونشر قوات أمنية في المدينة، بالإضافة إلى فتح تحقيق في الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. وظهر شيخ العقل، يوسف جربوع، في تسجيل مصوّر وهو يقرأ بياناً يؤكد موافقته على الاتفاق، الذي ينص أيضاً على توفير الخدمات، وعودة مؤسسات الدولة إلى العمل، ومشاركة أبناء السويداء مع قوى الأمن، في ضبط الأوضاع في المدينة، علماً أن هذا الاتفاق هو الثاني من نوعه خلال يومين، إذ تمّ التوصل إلى اتفاق مماثل أول من أمس، لم تلتزم الفصائل التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية به.
فُرض حصار مطبق على السويداء وقطع تام للكهرباء، وانقطاعات في الاتصالات
أما شيخ العقل، حكمت الهجري، الذي يقود التيار المناوئ للإدارة الجديدة، والمدعوم بفصائل محلية، فأعلن، في بيان، رفضه الاتفاق، مؤكداً «الاستمرار في الدفاع المشروع، واستمرار القتال حتى تحرير كامل تراب محافظتنا من هذه العصابات دون قيد أو شرط». وأضاف: «نعتبر ذلك واجباً وطنياً وإنسانياً وأخلاقياً لا تهاون فيه»، متابعاً: «ندعو ما تبقّى من فلول هذه العصابات إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم لشبابنا الأبطال.
ونُشدد على أبنائنا، أن من يسلّم سلاحه فهو في عهدتنا، فلا يُهان ولا يُنكّل به، فهذا من شيمنا وأخلاقنا التي تربّينا عليها، ولا نقابل الباطل بمثله، بل نرتقي عليه بثبات الحق وعدالة القيم»، مؤكداً أنه «لا يوجد أي اتفاق أو تفاوض أو تفويض مع هذه العصابات المسلّحة التي تُسمّي نفسها زوراً حكومة». وحذّر في الوقت ذاته من أن «أي شخص أو جهة تخرج عن هذا الموقف الموحّد، وتقوم بالتواصل أو الاتفاق من طرف واحد، ستُعرّض نفسها للمحاسبة القانونية والاجتماعية دون استثناء أو تهاون»، وفق تعبيره.
وأعلنت حركة «رجال الكرامة» المحلية في السويداء، بدورها، رفضها أي اتفاق لا يتضمّن «انسحاب كل القوات الغازية التي ارتكبت فظائع غير مسبوقة في تاريخ محافظة السويداء ومجازر وحشية ترقى إلى جرائم حرب بحق أهلنا الأبرياء». وأكّدت أنه «بعد استشهاد خيرة القادة والمقاتلين، سنبقى ندافع حتى آخر مقاتل قادر على حمل السلاح، ما لم ينسحب الغزاة من كل القرى والبلدات التي استباحوها»، وفق بيان نشرته الحركة.
ولا يُعدّ الانقسام في مواقف المرجعيات الدينية في السويداء، أمراً مستحدثاً؛ إذ يمثّل الشيخان يوسف جربوع وحمود الحناوي، الطرف المنفتح على التواصل مع الحكومة، منذ عهد النظام السابق، في وقت يتخذ فيه الشيخ حكمت الهجري موقفاً متشدداً من التعامل مع السلطة، سواء خلال عهد نظام بشار الأسد، عندما قاد الحراك المناوئ له، أو في الوقت الحالي، عندما أصرّ على رفض الاعتراف بالسلطة قبل إجراء حوار شامل، وتشكيل حكومة تمثّل جميع السوريين، وهو ما لم تقم الإدارة بتنفيذه.
وأمام حالة الانقسام القائمة، يبقى صمود التهدئة أمراً مشكوكاً فيه، خصوصاً مع استمرار الشحن الطائفي ضد الدروز، والذي يولّد فرصة ذهبية لإسرائيل التي تمعن في استثمار ملف الأقليات، لتثبيت تفوّقها، ولرسم شكل الدولة السورية التي تريدها. أما على الصعيد الإنساني، فتعاني السويداء أوضاعاً مأساوية؛ وإذ لا يُعرف بالتحديد عدد ضحايا هجوم فصائل وزارتي الدفاع والداخلية، فإن المؤكد أن من بين الضحايا عائلات كاملة، ونساء وأطفالاً، قد تكشف التهدئة، إن تمّت فعلاً، عن بعض هوياتهم، ما قد يشكل بدوره فتيل مقتلة جديدة.